الجمعة، 29 أبريل 2011

اللغة و الاتصال

v   تعريف الاتصال :
قيل : التواصل هو تبادل كلامي بين متكلم ينتج ملفوضاً أو قولاً مخاطبا به متكلمًا آخر ، يرغب في السماع ، والحوار ، وذلك تبعاً للنموذج اللفظي الذي صدر عنه المتكلم .وهو _ أي التواصل _ خبر ينقل من نقطة إلى أخرى بوساطة رسالة قابلة للتحليل والاستيعاب ، بوسيط ربما يكون هذا الوسيط وسيلة سمعية أو بصرية أو لقاءً مباشراً أو مدونة أو صحيفة دورية أو كتابا إلخ ... (1)
v   نظرية ياكبسون :
حدد رومان ياكسبون العوامل أو الأطراف التي تؤثر في سيرورة الحدث اللغوي ، أو بكلمة أخرى التواصل بوساطة اللغة . وهذه الأطراف هي :
·       المرسل .
·       الرسالة .
·       المرسل إليه ( المتلقي ) .
·       الشيفرة .
·       طريقة الاتصال ( القناة ) .
·       السياق .
أما الرسالة فتقع بحسب ترسيمة ياكسبون في بؤرة الحدث اللغوي أو في قلب الحدث بكلمة أخرى ، at the heart of speech event بتعبير شولتز . أما ما يعنيه بالشفرة ، فهو ــ على المستوى اللغوي ــ الكلمات المؤلفة من أصوات (فونيمات) ولواصق تضاف لتلك الكلمات ، وقواعد تراعى عند الكلام ، وتأليف السلاسل الملفوظة من التراكيب ، والجمل ، سواء في الكلام الملفوظ ، أو المكتوب . وينبغي أن تكون هذه الكلمات معروفة الدلالة لدى كل من المرسل و المتلقي ، وهـــــــــذا ما يعرف بالتوافق ، أو الاصطلاح .
§       الشيفرة .
في أنظمة للاتصال تستعمل عوضا عن الكلمات شفرة من رموز حسابية أو رياضية أو كيميائية أو صور و رسومات وإيقونات والإشارة ذات الأشكال المتعددة التي تستخدم في أنظمة لا تستخدم فيها اللغة ، ولا يناسبها الكلام وحده .
فلو أننا فتحنا كتاباً في الكيمياء وعثرنا على الرمز الآتي H2 O وجدنا فيه شفرة لا يستخدمها إلا الكيميائيون,وهي تشير’ في عرفهم إلى مركب من عنصرين هما الأكسجين والهيدروجين بنسبة محدودة , وهذا المركب هو الماء . ومثل هذا الرمز يقوم في الكيمياء مقام الكلام الكثير المؤلف من عدة كلمات , كأنْ يقال :إذا مزجنا ذرتين من الهيدروجين , وواحدة من الأكسجين , تكونَّ لدينا مركب جديد منهما هو الماء . فما يستعمل في الكيمياء شفرة وما يستعمل في السينما من صور متحركة تقوم في معظم الأحيان مقام الكلام الملفوظ هو شفرة أيضا.
ويجب أن نميز اللغة الاتصالية عن اللغة العقلية التي تتحد فيها الكلمات بالأفكار اتحاداً. ومثلما تكون الأفكار توليدية – بمعنى أن بعضها يولد من بعضها الآخر , ومثلما تكون تعاقبية , أي أن الفكرة تأتي بعد الأخرى – فإن اللغة العقلية هي أيضا توالدية تتناسب مع تسلسل الفكر , لكن اللغة الاتصالية ذات شأن مختلف . ففيها يجب أن تستخدم الرموز (الشيفرة) التي تمثل الأشياء التي نتحدث عنها تمثيلا يكاد يكون تصويريا باستخدام كلمات أو إشارات مشتركة , أي أن معرفة المرسل والمستقبل بها على درجة واحدة .
وخير دليل على صحة هذا الاتجاه أنّ الإعلان التجاري , باعتباره لغة اتصالية لا فكرية , نجده يقتصر على استعمال الإشارة اللغوية الصريحة المباشرة . وفيما يأتي جمل وردت في بعض الإعلانات التجارية في نشر دورية : "ثقتك بمكانها" "وثلاثون عاما في خدمتكم"
يقوم التواصل إذا على وجوب تحويل المحتوى إلى رموز مشتركة يعرفها المرسل والمتلقي معرفة جيدة ، وإلا اختل التواصل ، وانقطع حبل المودة بين الاثنين .
والدليل على صحة ما يذهب إليه ياكسبون أننا لو حاولنا الاستماع لشخص يستعمل كلمات قديمة ، أو شاذة من باب التقعر ، أو مفردات أعجمية ( إنجليزية أو فرنسية ) فإن الإقبال على الاستماع واستقبالنا لمحتوى الرسالة سيكون فاترا وضعيفا بلا ريب ، وأقل مما ينبغي .
§       قناة التواصل .                                  
قد يكون العنصر الأكثر تأثيرا في الاتصال هو الأداة الناقلة للكلام ، أو لأي شي آخر فالرابطة بين المرسل والمتلقي قد تكون المجاملة أو توثيق العلاقة وتحسين الأجواء بين الاثنين . و الهاتف بنوعيه : المحمول و الثابت يستخدمان في تحقيق ذلك . وقد يكون التلفزيون أحد وسائل الاتصال وفي مثل هذه الحال يخضع التشكيل النصي للمرسلة اللغوية لنوع البرنامج فبرامج الأطفال تختلف عن برامج الكبار ، والبرنامج ذو الطابع الديني وهكذا ... والدراما تختلف لغتها التواصلية عن البرنامج ، ففي الدراما تستعمل وسائل توصيل غير لغوية (سيميائية)  بكثرة تكاد تطغى على الحوار .

§       الرسالة ــ النص .                               
يرى بعض اللغويين في الرسالة التي تحتل موضع القلب من الحدث التواصلي أبرز العناصر الستة ، إذا احتلت المقام الأول في اهتمامات المرسل خلافا للعوامل الأخرى .
وهذا لا يتحقق إلا في نوع من الرسائل هو الذي تتخلى فيه اللغة عن وظيفتها  الأولى وهي التوصيل إلى وظيفة أخرى ثانوية هي الوظيفة الشعرية أو الأدبية . ذلك أن المرسل لا يهتم بتحويل المحتوى إلى إشارات لغوية حسب ، بل يقوم بالإضافة لذلك بتوخي الصياغة الجمالية التي تجتذب المتلقي نحو النص ، فيقرأ ويعيد القراءة بفضل التأثير الذي يبعثه فيه التنميق ، والجرس الصوتي ، و التخييل ، وذلك كله يضارع عند ياكسبون الانحراف عن المعيار ، وتغدو اللغة مستخرجة من اللغة ، أي ما يعرف بـــ meta language  وهذا هو ما قصده ياكبسون عندما تحدث عن الوظيفة فوق الاتصالية : الوظيفة الشعرية التي تتاح فيها للعلامات اللغوية أن تنزلق من موقعها المعجمي وحيزها الدلالي المعتاد إلى مواقع أخرى .
§       السياق .
السياق اسم يطلق على وجهين متكاملين هما : السياق اللفظي والسياق المقامي والأول هو النابع من وضوح الصوت ، وتنغيم الكلام ، وما ترافقه من إشارات ، ووضوح الخط فيما يتصل بالكلام المكتوب ، وما فيه من تنظيم نابع من استخدام علامات الترقيم المختلفة وما يبثه الكاتب من فراغات وما يضيفه من صور أو رسوم توضيحية وأشكال رمزية.
والسياق يفسر فيه المتأخر المتقدم , ويربط  آخر الكلم بأوله  , فالترتيب  و التبويب خاضع لسياق يساعد القارئ على الربط بين الدوال بعلائق سببية تارة ومنطقية تارة أخرى ونحوية أو ذهنية عقلية , مع الوقوف على ماترتبط  به من أشياء في الواقع الموضوعي الذي هو خارج النص أو الواقع الذي هو الذهن .
أما النوع الثاني فيتصل بما يحليلنا إليه الكلام المنطوق أو المكتوب , في العالم الخارجي , وهو بمنزلة المرجع الذي يحيل إليه الاتصال . فمعاني الكلمات والإشارات تمثل الأشياء موجودة في العالم الخارجي , فا ستخدام المتكلم أو الكاتب في وصف إنسان كلمة أفعى مثلا أو غراب  أو ثعلب تحيلنا إلى هذه الكائنات وما نعرفه عنها من طباع المكر أو الغدر أو الشؤم وسواد اللون أو النعيب إلخ .. فالاتصال اللغوي يقبع في الواقع داخل السياق الثقافي والأنثربولوجي للمتكلم والسامع على السواء واختلال ذلك يؤدي إلى تشويش في عملية الاتصال وإلى نقص في الفهم والإفهام , لذا لا نستغرب إذا وجدنا القدماء والمحدثين على السواء يؤكدون على ترابط النصوص باعتبارها أدوات تواصل والسياق بنوعية المقالي والمقامي .
فأما النوع الثاني من السياق فيضعنا وجها لوجه أمام حقيقة اللغة وهي أنها شيء اجتماعي وتتأثر شكلا وجوهرا ـ إذا جاز التعبير ـ بالحياة الاجتماعية , وهذا موضوعنا في الفصل الرابع.
المرجع :
كتاب مدخل إلى علم اللغة .
تأليف الدكتور :
إبراهيــم خليــــل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق