السبت، 30 أبريل 2011

الثنائية اللغوية


ثمة فرق بين الازدواجية اللغوية و الثنائية فالتعبير الأول يعني به قيام مجموعة لغوية باستعمال تنوعين من اللغة المشتركة الواحدة ذاتها أحدها ذو اعتبار أرقى من الآخر ، فيستخــدم في الكتابة ، الأدبية و العلمية و الفكرية ، و الخطب و غير ذلك . والآخر يستخدم فيمـــا عدا ذلك أي : في لغة التخاطب اليومي ، وينظر إليه باعتباره تنوعاً أدنى من السابق الذي يستعمل في الكتابة . وخير مثال لذلك العامية الدارجة في العربية فهي تستعمل في لغــة الحديث اليــومي ، و لا تستعمل في لغة الكتابة إلا نادراً. أما ثنائية اللغة أو الثنائية اللغوية فتعني وجود لغتين متنافستين في الاستعمال تتمتعان بمنزلة واحدة من حيث الكتابة الرسمية و الاستعمال الرسمي مثلما نلاحظ في الجزائر حيث العربية لغة مشتركة و الفرنسية كذلك ، و هما تمثلان لغتين يجيدهما المتكلمون بالقدر نفسه من الكفاية وهذا شيء ينسحب على أهالي كندا وقبرص واللوكسمبورغ ففيها لغتان تتنافسان هما : الفرنسية و الألمانية ، وتتمتعان بالدرجة نفسها من القيمة لكن إذا دققنا في الأمر وجدنا الألمانية لا تستخدم في مجلس النواب ، وإنما التي تستخدم فيه هي الفرنسية . و في الميدان التجاري و الاقتصادي نجد الغلبة للألمانية ، فهي المتداولة في هذا القطاع . ومن الطريف أن السينما الشعبية في هذه البلاد يجري الحوار فيها بالألمانية خلافاً للأفلام التي تتمتع بالمستوى الثقافي الجاد ، فهي الناطقة بالفرنسية .
وهنا لابد من توضيح شيء قد يخفى على كثيرين ، و هو أن اللغة المكتسبة الأولى قد لا تكون بالضرورة هي اللغة الأم وقد تكون لغة الخدم أو أي أشخاص يقيمون مع الطفل بصفة دائمة. وليست اللغة الأولى هي التي يتكلمها الراشد بيسر أكبر . فقد يكتسب الطفل ذو السنوات الخمس في مدة وجيزة لغة ثانية تنسيه بعض لغته الأولى . وعندما تتنافس لغتان من الطبيعي أن تتفوق إحداهما على الأخرى ، فتستعمل بطريقة أكثر أمناً وأكثر دقة في مواقف معينة ، وهذا ينسحب على من يتعلمون لغتين مختلفتين معا في أثناء طفولتهم معا ، فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل ان تكون هاتان اللغتان متكافئتين تماماً ، وإنما سيظهر من حين لآخر درجة من التفضيل والإيثار لإحداهما على وفق الموضوع و الموقف .
والثنائية اللغوية تنتشر في سويسرا وبلجيكا . وقد لوحظ أن بعض المتكلمين ممن يتمتعون بوصف ثنائيي اللغة تهيمن إحدى اللغتين على كلامهم فيبدو المتكلم منهم كما لو أنه يترجم أو يتحدث متأثر بقواعد الأخرى سواء من حيث المعنى أو الأسلوب .و قد جدنا في رواية أدبية كتبتها أدبية عربية من الأردن هي نادية الفقير باللغة الإنجليزية عبارات كثيرة يتضح فيها تأثرها القوي بالعربية . تقول في إحدى الجمل ما يأتي :
 The eye cant be above the eyebrows ومعنى هذه العبارة العين لا تعلو على الحاجب . والحق أن هذه ترجمة حرفية لمثل وإنما معناه هو : إن من كانت منزلته هي الدنيا لا يحسن أن يوضع في المرتبة الأعلى . ولا ريب في أن القارئ الإنجليزي لن يتلقى مثل هذا المعنى من العبارة . بل ستبدو له الجملة مضحكة . وفي موقع ثان تقول على لسان حمدان أحد شخوص الرواية واصفا لواعج الحب :
 My love was kicking and shoving in my heart like mulr .
وبناء على ذلك ينظر للحياة مع لغتين نظرة خاصة فهي قد تؤدي إلى كثير من المشكلات لا على مسيوى الترجمة حسب بل على مستوى التعبير . ولكنها قد تكون مفيدة إذا نجح المتكلم في دمج نظامين من التفكير دون أن يخل أحدهما بالآخر .
إما إذا أخفق المتكلم في دمج هذين النظامين من التفكير فيخشى أن يظهر ما يعرف بتدخل أحد النظامين في الآخر ، وتوضيح ذلك أن مستعمل اللغة الثانية يجتنب استعمال تراكيب معينة كونه يجدها صعبة بالنظر لاختلافها عما يقابلها في اللغةاأولى ، فيلجأ إلى ما يعده هو حيلة ذكية لتجنب الخطأ ، وهي الابتعاد عن مثل هاتيك التراكيب ابتعادا كليا ، وبدلا من ذلك يحاول كتابة أو التكلم بتركيب يظنه أكثر يسرا .
ومن مظاهر هذا التدخل لجوء المتكلم الذي يستعمل اللغة الثانية لاقتراض تعبيرات أو كلمات من اللغة الأولى عندما يلاحظ أنه لا يهتدي بيسر لما يقابل التركيب المقترض ، فقد كتبت إحدى الروائيات العربيات في روايتها المذكورة في السابق تقول على لسان سلمى بطلة الرواية ما يأتي :il aar ma yimhiyeh ila il dam
وهو قول ترجمته مثلما جاءت في الرواية :
 dishonor can only be wiped off with blood .
وسبب لجوء الكاتبة للاقتراض من العربية ها هنا هو إحساسها بأن الترجمة الإنجليزية للتعبير لا تتضمن الإيحاء بالرعب و القسوة الذي يتضمنه التعبير الأصلي بالعربية فلجأت لهذا الاقتراض . وهذا ايضاً يؤكد انها مع كونها تخاطب قارئ الرواية بالإنجليزية غلا أنها مسكونة بهاجس القارئ العربي لا الإنجليزي .
وقد يكون التدخل من اللغة الأصلية في الثانية صوتياً فيلفظ المتكلم الإنجليزية مثلا ــ مثلما يلفظ الكلمات بالعربية ، وهو تدخل قد لا يعيق المعنى عن الوضوح و الوصول للمتلقي ، بيد أنه يثير ردود فعل سلبية لدى متكلمي اللغة الأصليين ويذكر هاهنا أن أحد مستعملي اللغة الإسبانية من العرب ألقى كلمة في أحد المؤتمرات الدولية في القاهرة في آذار من سنة 1998 فعلقت إحدى الحضور قائلة : إنه يتكلم الإسبانية بلكنة بدوية .
المرجع :
كتاب مدخل إلى علم اللغة. تأليف د/ إبراهيم خليل . ص 75ـــ 78 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق