السبت، 30 أبريل 2011

اللغة و وظائفها


v  تعريف علم اللغة:

كلمة لغة استعملت بمعنى غير الذي نقصده الآن وعوضاً عنها استعملت كلمة لسان .
استخدمت كلمة لغة للدلالة على اللهجة الدارجة لدى قبيلة من القبائل ، أو في بيئة عربية محددة .

عرف ابن سنان الخفاجي في كتابه (سر الفصاحة) اللغة قائلاً : اللغة هي ما يتواضع القوم عليه من الكلام . (1)

عند ابن  جني: اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.

يؤكد ابن جني في هذا التعريف بأن اللغة ظاهرة صوتية، وأن لها وظيفة اجتماعية ، هي أنها تربط بين أفراد المجتمع، وأن لكل مجتمع لغته الخاصة .

عند(دي سوسير) يرى (دي سوسير) : اللغة نظام ذهني يتم بموجبه ربط العناصر اللغوية، سواء على المستوى الفونولوجي أو الصرفي أو النحوي.(2)

علم اللغة هو :العلم الذي يبحث في اللغة ، ويتخذها موضوعاً له ، فيدرسها من النواحي الوصفية ، والتاريخية ، والمقارنة ، كما يدرس العلاقات الكائنة بين اللغات المختلفة ، أو بين مجموعة من هذه اللغات ، ويدرس وظائف اللغة و أساليبها المتعددة ، وعلاقتها بالنظم الاجتماعية المختلفة .(3)

و علم اللغة هو :دراسة اللغة على نحو علمي .(4)

v   وظائف اللغة :

للغة وظائف هامة في المجتمع، ومن أهم هذه الوظائف وظيفتان هما:

1ــ أنها وسيلة للاتصال بين أفراد الجماعة اللغوية الواحدة، ولإيضاح معنى هذا الإصطلاح وكيف يتم نورد المثال الآتي:

فإذا افترضنا أن لدينا متكلماً نرمز له بالحرف (أ ) وسامعاً نرمز إليه بالحرف (ب) وأن ( أ) يريد أن يقول ل(ب) شيئاً ما، وأن (ب) سيفهمه، هنا حدثت عملية اتصالية عن طريق اللغة ، وتتكون من الخطوات الآتية:

 أــ اختيار الدلالات.

ب ــ اختيار الأنماط النحوية .

2ــ تعد اللغة وسيلة للتعبير عن الحضارة التي تعيش بين ظلاليها، ذلك أن اللغة هي التي تعبر وتفي بأغراض هذه الحضارة فاللغة العربية بعد ظهور الإسلام _ بدأت تعبر الحضارة الإسلامية ، فأوجدت مصطلحات جديدة تعني بأغراض هذه الحضارة مثل: الزكاة والصوم والشهادة والصلاة والركعة والتشهد.

 وهذا لا يعني أن لغة ما أفضل من لغة أخرى لأنها تعبر عن حضارة أخرى معينة ، أو أفضل من حضارة    أخرى ، ويؤكد اللغويون أن كل لغة، تفي بحاجات الحضارة  التي تخصها ولكنها قد تكون غير وافية إذا ما استخدمت للتعبير عن حاجات حضارة أخرى.
والتعبير المفضل عند المتكلمين بلغة معينة هو في الواقع تعبير مفضل في إطار الحضارة  التي تستخدم تلك اللغة ، ولكنه قد يكون تعبيراً غير مقبول أو غير مفضل إذا _ استخدم في نطاق حضارة أخرى.

إذا زعمنا أن اللغة الفرنسية هي أكثر اللغات تمشياً مع المنطق فإن ذلك يستتبع أن نزعم أيضاً أن الحضارة الفرنسية أكثر تمشياً مع المنطق ، والواقع أن اللغة الفرنسية ليست أكثر اللغات منطقية  ولا حضارتها كذلك ،إذن ليست هناك لغة يمكن أن يقال عنها إنها أكثر اللغات تمشياً مع المنطق، أو أنها أكثر منطقية من أية لغة أخرى ، والسبب في ذلك أن كل لغة تبدو منطقية بالنسبة للمتكلمين بها وذلك لأنها خير وسيلة تعبر عن الحضارة . (5)

3 ــ وصف ما وصل إلينا من اللغات البشرية ، و التأريخ لها ، وتقسيم اللغات إلى فصائل وعائلات ، و إعادة صوغ اللغات الأم ، لكل هذه الفصائل ، قدر الإمكان .

4 ــ البحث عن القوى المؤثرة في حياة اللغات في كل مكان ، و اكتشاف القوانين العامة ، التي تفسر الظواهر اللغوية الخاصة بكل لغة .

  5 ــ تحديد مجالات علم اللغة ، و البحث عن تعريف مناسب لهذا العلم .(6)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
(1)كتاب مدخل إلى علم اللغة. تأليف د / إبراهيم خليل.ص 14ــ 15.
(2، 5)كتاب دراسات في علم اللغة الوصفي و التاريخي و المقارن. تأليف د /صلاح الدين صالح حسنين .ص 35 و 38 و 40 و 41 .
(3، 6)كتاب المدخل إلى علم اللغة.تأليف د / رمضان عبد التواب.ص 7 و 8 .
(4) كتاب في علم اللغة العام .تأليف د / عبد العزيز أحمد علام.ص12

اللغة و المجتمع


لقد وجه الباحثون عظيم عنايتهم ، في دراسات حديثة عن التنوع اللغوي ، عادة عن طريق الاستبيانات لإثبات تفصيلات بعينها للبعد الاجتماعي للناطقين ، وكلما وضعنا في الحسبان مثل هذه التفضيلات كان في مقدورنا إنجاز دراسة عن اللهجات الاجتماعية التي هي تنوعات لغوية ، تستعملها مجموعات تتميز على حسب الطبقة ، و التعليم ، و المهنة ، و العمر ، و الجنس ، وعدد المقاييس الاجتماعية الأخرى .
v    التعليم و المهنة و الطبقة الاجتماعية .
من المهم أن تعلم على سبيل المثال ما إذا كانت مجموعة من الناطقين يشتركون في بعد تعليمي واحد ، فقد وجد في بعض المسح اللهجي أنه بين الذين تركوا النظام التعليمي في سن مبكرة ، ميل عظيم لاستعمال صيغ غير شائعة نسبياً في كلام الذين واصلوا تعليمهم حتى الكلية ، فتعبيرات تشمل على نحو : Them boys throwed thin أكثر شيوعاً في كلام المجموعة الأولى عن الأخيرة ، وتفسير ذلك فيما يبدو أن الشخص الذي يقضي وقتاً طويلاً خلال الكلية أو الجامعة سيميل إلى التحدث بملامح لغوية مأخوذة من معايشته الطويلة للغة المكتوبة ، و الشكوى أن بعض الأساتذة "يتكلمون مثل الكتاب" إدراك لشكل غالب لهذا النفوذ influence .
ومما يتصل بالتعليم ، الاخنلافات الوظيفية ، و الطبقة الاجتماعية ، التي لها بعض التأثير على كلام الأفراد ، فلكل وظيفة قدر معين من لغية يصعب فهمها على غير أهلها ، و من الأمثلة الدالة على دور المهنة في تحديد الكلام . نداء النادل على :
 a Bueket mud – draw one – hold cow .
في مطعم ، تنوع على طلب العميل "أيسكر يم بالشيكولاتة ، قهوة بدون مبيض" .
و قد ربطت دراسة مشهورة قام بها لابوف (1972) بين عناصر من مكان الوظيفىة و المستوى الاجتماعي الاقتصادي ، بالنظر إلى فروق النطق بين البائعين في ثلاثة محلات بمدينة نيويورك ، ساكس (مستوى راق) ، ماكيز (مستوى متوسط) ، وكلينز(مستوى متواضع) ، وقد وجدت بالفعل فروق قياسية ، وفي الإنجليزية البريطانية حيث تتسع فروق الطبقة الاجتماعية في الكلام بصورة ملحوظة أكثر من الولايات المتحدة فإن استعمال [n]  مقابلاً لصوت [j] ing ــ في نهاية كلمات مثل يمشي Walking ، يذهب going ، يشيع بين الناطقين من الطبقة العاملة في تنوعات محلية متعددة أكثر من الناطقين من الطبقة المتوسطة.
v    العمر ، الجنس .
ومع ذلك فحتى في داخل مجموعات من الطبقة الاجتماعية نفسها ، يمكن أن نجد فروقاً أخرى ، تبدو مرتبطة بعوامل مثل أعمار الناطقين أو جنسهم فكثير من صغار الناطقين الذين يعيشون في  منطقة معينة  يتأملون نتائج المسح اللهجي لمنطقتهم (أجرى المسح مع رواة كبار) ويزعمون أن أجدادهم كانوا يستعلمون تلك الألفاظ, ولكنهم هم لا يستعملونها, فالتنوع بالنسبة للعمر ملحوظ عبر فترة مابين الأجداد والأحفاد, فبينما يظل الجد يتحدث عن صندوق الثلج أو الراديو فإنه سيحيره بعض كلام حفيدته التي تحب أن تأكل ما يكون بالثلاجة وهي تستمع إلى صندوقها المدوى .
وأما التنوعات المتصلة بالجنس , فهي بؤرة اهتمام كثير من الأبحاث الحديثة ومن النتائج العامة لعدد من المسح اللهجي أن الناطقين من الإناث أميل من الذكور إلى استعمال صيغ الوجاهة مع تساويهما في البعد الاجتماعي العام وكذلك وجود صيغ مثل he ainnt JJ Idone غالباً في كلام الذكور وصيغ مثل : isn’t he – Ididit  في كلام الإناث و في بعض الثقافات توجد فروق أكثر تحديداً بين كلام الذكور و الإناث فقد ثبتت اختلافات بينة في النطق بين كلام الذكور و الإناث في بعض اللغات الهندية الأمريكية الشمالية مثل جروس فنتر وكواساتي وعندما صادف الأوربيون بالفعل لأول مرة من المفردات المختلفة لنطق الذكور عن الإناث بين هنود الكاريي أفادوا أن الأجناس المختلفة تستعمل لغات مختلفة ، فما وجد في الواقع ما هو إلا صورة من تنوع حسب جنس المتكلم .
v    البعد العرقي .
 تظهر في داخل المجتمع فروق أخرى بسبب مختلف الأبعاد العرقية وبطريقة أوضح فكلام المهاجرين الجدد وكذلك أطفالهم غالباً سيحمل ملامح مميزة وقي بعض المناطق التي يوجد بها ولاء لغوي قوي للغة الأصلية للمجموعة , سينقل عدد كبير من الملامح إلى اللغة الجديدة, وعموماً فكلام الأمريكان السود ويطلق عليه إنجليزية السود لهجة اجتماعية واسعة الانتشار , غالباً ما تتجاوز الفروق الإقليمية وعندما تقع مجموعة داخل المجتمع تحت شكل من أشكال العزل الاجتماعي مثل ما عاناه الأمريكان السود من التعصب والتمييز العنصري طوال تاريخهم فإن فروق اللهجة الاجتماعية تصبح أكثر تحديداً , ومن الوجهة الاجتماعية فإن المشكلة القائمة هي أن تنوع الكلام الناتج يمكن أن يصمم بأنه " كلام ردئ" ومن أمثلة ذلك الغياب الكثير للرابطة
(صور فعل الكينونة ) في إنجليزية السود مثل : they mine  إنهم لي , you crazy أنت مجنون , وتتطلب الإنجليزية الفصحى استعمال صيغة (are) في هاتين العبارتين ومع ذلك فهناك لهجات إنجليزية أخرى كثيرة لا تستعمل الرابطة في مثل هذه التراكيب , وكذلك عدد كبير من اللغات (مثل العربية والروسية ) لها تراكيب مشابهة بدون الرابطة , وعلى هذا الأساس لا يمكن  أن تكون إنجليزية السود" رديئة" إلا أن تعتبر الروسية "رديئة" والعربية"رديئة" ولأنها لهجة فهي ببساطة ذات ملامح تختلف كل الاختلاف عن الفصحى.
v    لهجة الفرد .
تتجمع بالطبع كل عناصر التنوع اللهجي الاجتماعي والإقليمي بشكل أو باَخر في كلام كل فرد, ويستعمل مصطلح لهجة الفرد للهجة الشخصية لكل فرد ناطق بلغة,وهناك عوامل أخرىكطبيعة الصوت والحالة الفيزيائية التي تسهم في إبراز الملامح الميزة في كلام الفرد , ولكن كثيراً من العوامل الاجتماعية التي تعرضنا لها تحدد لغية كل شخص فمن النظرة المعيارية للدراسة الاجتماعية للغة ولا اعتبارات كثيرة أنت ما تقول .
v    المرجع :-
كتاب معرفة اللغة . تأليف: جورج يول . ص 241ـــ 245 .

الثنائية اللغوية


ثمة فرق بين الازدواجية اللغوية و الثنائية فالتعبير الأول يعني به قيام مجموعة لغوية باستعمال تنوعين من اللغة المشتركة الواحدة ذاتها أحدها ذو اعتبار أرقى من الآخر ، فيستخــدم في الكتابة ، الأدبية و العلمية و الفكرية ، و الخطب و غير ذلك . والآخر يستخدم فيمـــا عدا ذلك أي : في لغة التخاطب اليومي ، وينظر إليه باعتباره تنوعاً أدنى من السابق الذي يستعمل في الكتابة . وخير مثال لذلك العامية الدارجة في العربية فهي تستعمل في لغــة الحديث اليــومي ، و لا تستعمل في لغة الكتابة إلا نادراً. أما ثنائية اللغة أو الثنائية اللغوية فتعني وجود لغتين متنافستين في الاستعمال تتمتعان بمنزلة واحدة من حيث الكتابة الرسمية و الاستعمال الرسمي مثلما نلاحظ في الجزائر حيث العربية لغة مشتركة و الفرنسية كذلك ، و هما تمثلان لغتين يجيدهما المتكلمون بالقدر نفسه من الكفاية وهذا شيء ينسحب على أهالي كندا وقبرص واللوكسمبورغ ففيها لغتان تتنافسان هما : الفرنسية و الألمانية ، وتتمتعان بالدرجة نفسها من القيمة لكن إذا دققنا في الأمر وجدنا الألمانية لا تستخدم في مجلس النواب ، وإنما التي تستخدم فيه هي الفرنسية . و في الميدان التجاري و الاقتصادي نجد الغلبة للألمانية ، فهي المتداولة في هذا القطاع . ومن الطريف أن السينما الشعبية في هذه البلاد يجري الحوار فيها بالألمانية خلافاً للأفلام التي تتمتع بالمستوى الثقافي الجاد ، فهي الناطقة بالفرنسية .
وهنا لابد من توضيح شيء قد يخفى على كثيرين ، و هو أن اللغة المكتسبة الأولى قد لا تكون بالضرورة هي اللغة الأم وقد تكون لغة الخدم أو أي أشخاص يقيمون مع الطفل بصفة دائمة. وليست اللغة الأولى هي التي يتكلمها الراشد بيسر أكبر . فقد يكتسب الطفل ذو السنوات الخمس في مدة وجيزة لغة ثانية تنسيه بعض لغته الأولى . وعندما تتنافس لغتان من الطبيعي أن تتفوق إحداهما على الأخرى ، فتستعمل بطريقة أكثر أمناً وأكثر دقة في مواقف معينة ، وهذا ينسحب على من يتعلمون لغتين مختلفتين معا في أثناء طفولتهم معا ، فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل ان تكون هاتان اللغتان متكافئتين تماماً ، وإنما سيظهر من حين لآخر درجة من التفضيل والإيثار لإحداهما على وفق الموضوع و الموقف .
والثنائية اللغوية تنتشر في سويسرا وبلجيكا . وقد لوحظ أن بعض المتكلمين ممن يتمتعون بوصف ثنائيي اللغة تهيمن إحدى اللغتين على كلامهم فيبدو المتكلم منهم كما لو أنه يترجم أو يتحدث متأثر بقواعد الأخرى سواء من حيث المعنى أو الأسلوب .و قد جدنا في رواية أدبية كتبتها أدبية عربية من الأردن هي نادية الفقير باللغة الإنجليزية عبارات كثيرة يتضح فيها تأثرها القوي بالعربية . تقول في إحدى الجمل ما يأتي :
 The eye cant be above the eyebrows ومعنى هذه العبارة العين لا تعلو على الحاجب . والحق أن هذه ترجمة حرفية لمثل وإنما معناه هو : إن من كانت منزلته هي الدنيا لا يحسن أن يوضع في المرتبة الأعلى . ولا ريب في أن القارئ الإنجليزي لن يتلقى مثل هذا المعنى من العبارة . بل ستبدو له الجملة مضحكة . وفي موقع ثان تقول على لسان حمدان أحد شخوص الرواية واصفا لواعج الحب :
 My love was kicking and shoving in my heart like mulr .
وبناء على ذلك ينظر للحياة مع لغتين نظرة خاصة فهي قد تؤدي إلى كثير من المشكلات لا على مسيوى الترجمة حسب بل على مستوى التعبير . ولكنها قد تكون مفيدة إذا نجح المتكلم في دمج نظامين من التفكير دون أن يخل أحدهما بالآخر .
إما إذا أخفق المتكلم في دمج هذين النظامين من التفكير فيخشى أن يظهر ما يعرف بتدخل أحد النظامين في الآخر ، وتوضيح ذلك أن مستعمل اللغة الثانية يجتنب استعمال تراكيب معينة كونه يجدها صعبة بالنظر لاختلافها عما يقابلها في اللغةاأولى ، فيلجأ إلى ما يعده هو حيلة ذكية لتجنب الخطأ ، وهي الابتعاد عن مثل هاتيك التراكيب ابتعادا كليا ، وبدلا من ذلك يحاول كتابة أو التكلم بتركيب يظنه أكثر يسرا .
ومن مظاهر هذا التدخل لجوء المتكلم الذي يستعمل اللغة الثانية لاقتراض تعبيرات أو كلمات من اللغة الأولى عندما يلاحظ أنه لا يهتدي بيسر لما يقابل التركيب المقترض ، فقد كتبت إحدى الروائيات العربيات في روايتها المذكورة في السابق تقول على لسان سلمى بطلة الرواية ما يأتي :il aar ma yimhiyeh ila il dam
وهو قول ترجمته مثلما جاءت في الرواية :
 dishonor can only be wiped off with blood .
وسبب لجوء الكاتبة للاقتراض من العربية ها هنا هو إحساسها بأن الترجمة الإنجليزية للتعبير لا تتضمن الإيحاء بالرعب و القسوة الذي يتضمنه التعبير الأصلي بالعربية فلجأت لهذا الاقتراض . وهذا ايضاً يؤكد انها مع كونها تخاطب قارئ الرواية بالإنجليزية غلا أنها مسكونة بهاجس القارئ العربي لا الإنجليزي .
وقد يكون التدخل من اللغة الأصلية في الثانية صوتياً فيلفظ المتكلم الإنجليزية مثلا ــ مثلما يلفظ الكلمات بالعربية ، وهو تدخل قد لا يعيق المعنى عن الوضوح و الوصول للمتلقي ، بيد أنه يثير ردود فعل سلبية لدى متكلمي اللغة الأصليين ويذكر هاهنا أن أحد مستعملي اللغة الإسبانية من العرب ألقى كلمة في أحد المؤتمرات الدولية في القاهرة في آذار من سنة 1998 فعلقت إحدى الحضور قائلة : إنه يتكلم الإسبانية بلكنة بدوية .
المرجع :
كتاب مدخل إلى علم اللغة. تأليف د/ إبراهيم خليل . ص 75ـــ 78 .

الجمعة، 29 أبريل 2011

اللغة و الاتصال

v   تعريف الاتصال :
قيل : التواصل هو تبادل كلامي بين متكلم ينتج ملفوضاً أو قولاً مخاطبا به متكلمًا آخر ، يرغب في السماع ، والحوار ، وذلك تبعاً للنموذج اللفظي الذي صدر عنه المتكلم .وهو _ أي التواصل _ خبر ينقل من نقطة إلى أخرى بوساطة رسالة قابلة للتحليل والاستيعاب ، بوسيط ربما يكون هذا الوسيط وسيلة سمعية أو بصرية أو لقاءً مباشراً أو مدونة أو صحيفة دورية أو كتابا إلخ ... (1)
v   نظرية ياكبسون :
حدد رومان ياكسبون العوامل أو الأطراف التي تؤثر في سيرورة الحدث اللغوي ، أو بكلمة أخرى التواصل بوساطة اللغة . وهذه الأطراف هي :
·       المرسل .
·       الرسالة .
·       المرسل إليه ( المتلقي ) .
·       الشيفرة .
·       طريقة الاتصال ( القناة ) .
·       السياق .
أما الرسالة فتقع بحسب ترسيمة ياكسبون في بؤرة الحدث اللغوي أو في قلب الحدث بكلمة أخرى ، at the heart of speech event بتعبير شولتز . أما ما يعنيه بالشفرة ، فهو ــ على المستوى اللغوي ــ الكلمات المؤلفة من أصوات (فونيمات) ولواصق تضاف لتلك الكلمات ، وقواعد تراعى عند الكلام ، وتأليف السلاسل الملفوظة من التراكيب ، والجمل ، سواء في الكلام الملفوظ ، أو المكتوب . وينبغي أن تكون هذه الكلمات معروفة الدلالة لدى كل من المرسل و المتلقي ، وهـــــــــذا ما يعرف بالتوافق ، أو الاصطلاح .
§       الشيفرة .
في أنظمة للاتصال تستعمل عوضا عن الكلمات شفرة من رموز حسابية أو رياضية أو كيميائية أو صور و رسومات وإيقونات والإشارة ذات الأشكال المتعددة التي تستخدم في أنظمة لا تستخدم فيها اللغة ، ولا يناسبها الكلام وحده .
فلو أننا فتحنا كتاباً في الكيمياء وعثرنا على الرمز الآتي H2 O وجدنا فيه شفرة لا يستخدمها إلا الكيميائيون,وهي تشير’ في عرفهم إلى مركب من عنصرين هما الأكسجين والهيدروجين بنسبة محدودة , وهذا المركب هو الماء . ومثل هذا الرمز يقوم في الكيمياء مقام الكلام الكثير المؤلف من عدة كلمات , كأنْ يقال :إذا مزجنا ذرتين من الهيدروجين , وواحدة من الأكسجين , تكونَّ لدينا مركب جديد منهما هو الماء . فما يستعمل في الكيمياء شفرة وما يستعمل في السينما من صور متحركة تقوم في معظم الأحيان مقام الكلام الملفوظ هو شفرة أيضا.
ويجب أن نميز اللغة الاتصالية عن اللغة العقلية التي تتحد فيها الكلمات بالأفكار اتحاداً. ومثلما تكون الأفكار توليدية – بمعنى أن بعضها يولد من بعضها الآخر , ومثلما تكون تعاقبية , أي أن الفكرة تأتي بعد الأخرى – فإن اللغة العقلية هي أيضا توالدية تتناسب مع تسلسل الفكر , لكن اللغة الاتصالية ذات شأن مختلف . ففيها يجب أن تستخدم الرموز (الشيفرة) التي تمثل الأشياء التي نتحدث عنها تمثيلا يكاد يكون تصويريا باستخدام كلمات أو إشارات مشتركة , أي أن معرفة المرسل والمستقبل بها على درجة واحدة .
وخير دليل على صحة هذا الاتجاه أنّ الإعلان التجاري , باعتباره لغة اتصالية لا فكرية , نجده يقتصر على استعمال الإشارة اللغوية الصريحة المباشرة . وفيما يأتي جمل وردت في بعض الإعلانات التجارية في نشر دورية : "ثقتك بمكانها" "وثلاثون عاما في خدمتكم"
يقوم التواصل إذا على وجوب تحويل المحتوى إلى رموز مشتركة يعرفها المرسل والمتلقي معرفة جيدة ، وإلا اختل التواصل ، وانقطع حبل المودة بين الاثنين .
والدليل على صحة ما يذهب إليه ياكسبون أننا لو حاولنا الاستماع لشخص يستعمل كلمات قديمة ، أو شاذة من باب التقعر ، أو مفردات أعجمية ( إنجليزية أو فرنسية ) فإن الإقبال على الاستماع واستقبالنا لمحتوى الرسالة سيكون فاترا وضعيفا بلا ريب ، وأقل مما ينبغي .
§       قناة التواصل .                                  
قد يكون العنصر الأكثر تأثيرا في الاتصال هو الأداة الناقلة للكلام ، أو لأي شي آخر فالرابطة بين المرسل والمتلقي قد تكون المجاملة أو توثيق العلاقة وتحسين الأجواء بين الاثنين . و الهاتف بنوعيه : المحمول و الثابت يستخدمان في تحقيق ذلك . وقد يكون التلفزيون أحد وسائل الاتصال وفي مثل هذه الحال يخضع التشكيل النصي للمرسلة اللغوية لنوع البرنامج فبرامج الأطفال تختلف عن برامج الكبار ، والبرنامج ذو الطابع الديني وهكذا ... والدراما تختلف لغتها التواصلية عن البرنامج ، ففي الدراما تستعمل وسائل توصيل غير لغوية (سيميائية)  بكثرة تكاد تطغى على الحوار .

§       الرسالة ــ النص .                               
يرى بعض اللغويين في الرسالة التي تحتل موضع القلب من الحدث التواصلي أبرز العناصر الستة ، إذا احتلت المقام الأول في اهتمامات المرسل خلافا للعوامل الأخرى .
وهذا لا يتحقق إلا في نوع من الرسائل هو الذي تتخلى فيه اللغة عن وظيفتها  الأولى وهي التوصيل إلى وظيفة أخرى ثانوية هي الوظيفة الشعرية أو الأدبية . ذلك أن المرسل لا يهتم بتحويل المحتوى إلى إشارات لغوية حسب ، بل يقوم بالإضافة لذلك بتوخي الصياغة الجمالية التي تجتذب المتلقي نحو النص ، فيقرأ ويعيد القراءة بفضل التأثير الذي يبعثه فيه التنميق ، والجرس الصوتي ، و التخييل ، وذلك كله يضارع عند ياكسبون الانحراف عن المعيار ، وتغدو اللغة مستخرجة من اللغة ، أي ما يعرف بـــ meta language  وهذا هو ما قصده ياكبسون عندما تحدث عن الوظيفة فوق الاتصالية : الوظيفة الشعرية التي تتاح فيها للعلامات اللغوية أن تنزلق من موقعها المعجمي وحيزها الدلالي المعتاد إلى مواقع أخرى .
§       السياق .
السياق اسم يطلق على وجهين متكاملين هما : السياق اللفظي والسياق المقامي والأول هو النابع من وضوح الصوت ، وتنغيم الكلام ، وما ترافقه من إشارات ، ووضوح الخط فيما يتصل بالكلام المكتوب ، وما فيه من تنظيم نابع من استخدام علامات الترقيم المختلفة وما يبثه الكاتب من فراغات وما يضيفه من صور أو رسوم توضيحية وأشكال رمزية.
والسياق يفسر فيه المتأخر المتقدم , ويربط  آخر الكلم بأوله  , فالترتيب  و التبويب خاضع لسياق يساعد القارئ على الربط بين الدوال بعلائق سببية تارة ومنطقية تارة أخرى ونحوية أو ذهنية عقلية , مع الوقوف على ماترتبط  به من أشياء في الواقع الموضوعي الذي هو خارج النص أو الواقع الذي هو الذهن .
أما النوع الثاني فيتصل بما يحليلنا إليه الكلام المنطوق أو المكتوب , في العالم الخارجي , وهو بمنزلة المرجع الذي يحيل إليه الاتصال . فمعاني الكلمات والإشارات تمثل الأشياء موجودة في العالم الخارجي , فا ستخدام المتكلم أو الكاتب في وصف إنسان كلمة أفعى مثلا أو غراب  أو ثعلب تحيلنا إلى هذه الكائنات وما نعرفه عنها من طباع المكر أو الغدر أو الشؤم وسواد اللون أو النعيب إلخ .. فالاتصال اللغوي يقبع في الواقع داخل السياق الثقافي والأنثربولوجي للمتكلم والسامع على السواء واختلال ذلك يؤدي إلى تشويش في عملية الاتصال وإلى نقص في الفهم والإفهام , لذا لا نستغرب إذا وجدنا القدماء والمحدثين على السواء يؤكدون على ترابط النصوص باعتبارها أدوات تواصل والسياق بنوعية المقالي والمقامي .
فأما النوع الثاني من السياق فيضعنا وجها لوجه أمام حقيقة اللغة وهي أنها شيء اجتماعي وتتأثر شكلا وجوهرا ـ إذا جاز التعبير ـ بالحياة الاجتماعية , وهذا موضوعنا في الفصل الرابع.
المرجع :
كتاب مدخل إلى علم اللغة .
تأليف الدكتور :
إبراهيــم خليــــل .

مناهج علم اللغة ( المقارن + الوصفي + التاريخي )


1 ــ علم اللغة المقارن .
تجري المقارنة بين اللغات بطريقة تاريخية ، مثلما كان الحال في القرن التاسع عشر الذي ازدهرت فيه الدراسات المقارنة ، فكشفت عن علاقات القرابة بين عدد منها ، مثل : السنسكريتية ، واليونانية القديمة ، واللاتينية ، والسلافية ، والقوطية ، التي قيل إنها جميعاً اشتقت من لغة واحدة مجهولة ، وقد أطلق على هذه اللغات مجتمعة اسم "اللغات الهندو ــ أوربية" ، وهو تعبير ظهر في الدراسات اللغوية نحو عام 1814 ، تمييزاً لتلك الأسرة عن مجموعة ثانية من اللغات الأخرى كاللغات الهندو ــ جرمانية ، وهو تعبير رافق التعبير السابق، وظهر في نطاق التداول اللغوي نحو العام 1823 ليفرق بين هاتيك اللغات ، ولغات مثل : العربية والسريانية والحبشية والعبرية التي أتضح أنها هي الأخرى تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة هي السامية . ولا بد من الاستدراك ، فنقول : إن المقارنة بين اللغات لا تعني بالضرورة اعتماد المنهج التاريخي ، بل يمكن أن تجري على سنن المنهج الوصفي . ومقارنة لغة بأخــرى شيء لا يمكن تجنبه ، فحتى عامة الناس يقومون بذلك دون أن يقصدوا المقارنة ، فغذا قال المتكلم كلاماً وتظاهر السامعون بعدم الفهم ، سارع للتأكيد بأنه يتكلم بلغة كذا و ليس اللغة كذا :قلت ذلك بالعربي وليس بالتركي مثلاً" فيما يبدو أنه ادعاء بأن العربية مثلاً أكثر إيضاحاً لمقاصده من غيرها ، فهم لا يعرفون تلك اللغة أصلاً . بيد أن المتعلم الذي يحاول اكتساب لغة غير لغته الأم دائم المقابلة بين الصيغ التي يتعرف عليها في اللغة الجديدة و الصيغ البديلة أو النظيرة في لغته .فلعله إذا سمع أن الفاعل في الجملة الانجليزية يذكرأولا ، مثل: milk john drinks the تبادر إلى ذهنه أن الفعل هو الذي يتقدم على الفاعل في العربية ، فيقال : يشرب جون الحليب . وإذا سمع أن النعت في الانجليزية يسبق المنعوت فيقال :  coming that fat man تبادر إلى ذهنه ان النعت في العربية يأتي بعد الاسم المنعوت ( الرجل البدين قادم ) . أما إذا سمع أن الفرنسية تؤنث الباب I abort  فسيتبادر لذهنه أن الباب في العربية مذكر ، لا مؤنث .
وهذ1ه الأمثلة إذا أردنا الدقة لا تمثل في الواقع "مقارنة" بين لغة وأخرى بقدر ما تمثل ضرباً من النظر "التقابلي" فما تختلف به الدارسة المقارنة عن التقابلية هو قيام النظرة التقابلية في العادة على لغتين متجاورتين حيتين , يجري تعليم إحداهما لغير الناطقين بها, لذا يحتاج إلى معرفة ما يقابل الصيغة في اللغة (ا)في اللغة(ب) أو ما يقابل الفونيم في اللغة (أ) في اللغة (ب) أو القاعدة النحوية في اللغة  (أ) ومقابلها في اللغة (ب) .(1)

وينظر إلى علم اللغة  التاريخي من بعض النواحي على أنه دراسة مقارنة . وفي علم اللغة المقارن يهتم الباحث بمقارنة لغتين أو أكثر من ناحية أو أكثر . ويعتمد علم اللغة المقارن على المقارنة لإيضاح العلاقات التاريخية بين لغات معينة و حصر أوجه التشابه بين اللغات المختلفة دون أي اعتبار للعامل التاريخي .
ويعتمد المنهج المقارن على أسس المنهج التاريخي ، و يختلف عنه في أنه يتتبع الظاهرة اللغوية في أعماق الماضي السحيق ... ومن أبرز نتائج هذا المنهج أنه حصر اللغات الإنسانية المكتوبة، في تسع عائلات مصنفة حسب تشابه كل عائلة في الملامح العامة سواء أكانت صوتية أو صرفية أو نحوية أو دلالية ، والبيان الآتي يوضح هذه العائلات ، وهو مرتب حسب عدد السكان الذين يتكلمون كل عائلة 2))
عدد السكان بالمليون
اسم العائلة
1000
الهندو أوربية
500
الصينية و التبتية
100
الإفريقية
100
الدارفيدية
100
اليابنية الكورية
90
الملايو
75
السامية ــ الحامية
60
الأورالية
10
الهندو أمريكية

2ــ علم اللغة الوصفي .
ظل المنهج المقارن في الدراسات سائداً ، حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وظلت نتائجه محدودة في إطارها الضيق ، بناء على طبيعة هذا المنهج ، التي لم تسمح إلا بإقامة الدراسة بين فصيلتين ، أو بين مجموعة من اللغات و مجموعة أخرى .
ولما وضع علم اللغة يده على المنهج الوصفي ، في أوائل القرن العشرين بما قدمه علماء اللغة من جهود متواصلة ، ومحاولات ناجحة في تطوير منهج البحث و الدراسة ، وعلى رأسها الدراسات التي قام بها العالم السويسري "دي سويسر" فيما يتصل بنظريته ( اللغة ووظيفتها ) صار من الممكن بحث اللغة الواحدة وصفياً ، بل القضية اللغوية الواحدة .
ومن هنا ظهر في الأفق اللغوي منهج جديد ، في تحليل البنية اللغوية تحليلاً شاملاً دقيقاً . فأقبل الباحثون على المنهج الوصفي يصطنعونه في بحوثهم المتعددة ، و المتنوعة ، فانتشر هذا المنهج في منتصف القرن العشرين انتشاراً واسعاً ، وبخاصة في أمريكا .(3)

وعلم اللغة الوصفي هو العلم الذي يهتم بوصف وتحليل اللغة كما يستعملها متكلموها في عصر معين ... وقد يكون هذا العصر هو العصر الحالي ، وهذا يصدق على اللغات غير المكتوبة أو اللغات التي كتبت حديثاً وهي اللغات التي لا نعرف شيئاً عن ماضيها. وقد يكون هذا العصر هو العصر الماضي ويشترط لذلك أن تتوفر لدى الباحث مصادر مكتوبة تمثل اللغة في عصر معين من  عصور الماضي وذلك هو الحال في دراسة العربية الفصحى ، لتوفر نصوص الشعر الجاهلي ونص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة . والشيء الهام في دراسة اللغة دراسة وصفية في عصر ماضٍ أو حالٍ هو التركيز على اللغة تركيزاً شاملاً في عصر معين و عدم التزحزح إلى عصر سابق عليه أو تال له .
ويعد علم اللغة الوصفي أهم أنواع علم اللغة على الإطلاق فهو يمثل الناحية الجوهرية في الدراسة اللغوية الأخرى ... ونقصد بها علم اللغة التاريخي و علم الدلالة و علم اللغة المقارن.(4)
وقد طبعت الدراسات اللغوية بالطابع الوصفي منذ نشر بواز في العام 1911 كتيبا يصف فيه بعض اللغات الهندو أمريكية الذي اكتفى فيه بوصف اللغات البدائية التي تناولها و منها لغة (هوبي) منبها على ما فيها من سمات خاصة تميزها عن اللغات الأوربية و تجعل منها أداة لفهم الخبرة و التجربة التي يتمتع بها الناطقون بتلك اللغة . ولقد اعتمد على ملاحظة مافي تلك اللغة من قواعد يخلو بعضها مما يدل على زمن الفعل و هل هو فعل ماضِ أمْ دال على الحاضر . فمدلولان مثل He was coming  و He is coming يعبر عنهما بعبارة واحدة . وتخلو أيضاً مما يدل على الجمع . وقد تطرق بواز لوصف الأصوات والمقاطع والصيغ ، ولكن الباحث الوصفي الذي تتلمذ له كثيرون و تأثروا به إنما هو ليونارد بلومفيلد .
تأثر بلومفيلد بما ذكره بواز في كتابه سالف الذكر ، تأثرا كبيراً . وتأثر أيضاً بالمدرسة السلوكية في علم النفس ، لهذا فإن الوصف اللغوي المعول عليه عنده هو الوصف القائم على ملاحظة الملفوظ الكلامي غير المدروس ، وغير المعد سابقاً ، من قبل المتكلمين ، فوصف اللغة بناء على ذلك الملفوظ العفوي ، وتجنب استخدام الأسئلة من مثل : ماذا تقول إذا .. وكيف تستطيع قول ذلك في لغتك ؟...إلخ .. وصف أكثر صدقاً و موضوعية وبعدا عن التقديرات الشخصية والانطباعات . ومن أبرز ما تميز به النحو عند بلومفيلد النظر إلى اللغة نظرة متحررة من الآراء الموروثة المسبقة والأحكام المعتادة ، من مثل : الكلام ثلاثة أقسام : اسم ، وفعل ، وحرف . وحتى المعنى ينبغي أن يستبعد من الدراسة النحوية لأن المعاني في رأيه لا تتــعدى ما يستدعيه المثير من ملفوظ محدد باعتباره استجابة سلوكية تستدعي هي الأخرى مثيراً كلامياً مثلما هي الحال في حكاية جيل مع صديقها جاك والتفاحة .(5)

يقصد بعلم اللغة التاريخي دراسة تطور اللغة عبر الزمن الذي تسلكه اللغات في التغير من فترة إلى أخرى و أسباب التغير ونتائجه سواء أكان هذا التغير يرجع إلى سبب لغوي أو إلى سبب غير لغوي . ويجب أن يقوم مثل هذا النوع من الدراسة على أساس وصف اللغة في مرحلتين تاريخيتين أو أكثر من المراحل التي تمر بها اللغة .
ويهتم علم اللغة التاريخي بتتبع التطور الذي يطرأ على اللغة .. أي على الأصوات و الصرف و النحو و الدلالة .. وذلك من خلال المقارنة بين دراسة اللغة في فترتين زمنيتين مختلفتين أو أكثر ، ويعتمد علم اللغة التاريخي في دراسته على الوثائق الثابتة تاريخياً و تظهر هذه الوثائق في عدة أشكال ، مثل النقوش المحفورة على الصخور و الحجارة و على جوانب الجبال و في الألواح الخشبية أو الطينية المحفورة عليها بأدوات رقيقة ، و في ألواح الشمع و في أوراق البردي .
وعالم اللغة التاريخي لا يستطيع الاعتماد على الكتابة فقط لتتبع التطور الذي يطرأ على اللغة لسببين هما :
1ــ أن الصيغة المكتوبة للغة تقوم بدورهام في تعطيل تيار التغيير الذي يلحق لغة الكلام بسرعة، فلغة الكلام عرضة لتغييرات طبيعية فطرية ، لبعدها عن المركز ، وتعبر عن نفسها بسرعة خلال الزمن و تظهر في شكل لهجات عبر الزمان ، فمثلاً نجد أن صوت الغين يعبر عنه في الانجليزية أساً بــ ((gh  أما الآن فإن هذا الصوت اختفى من أصوات الانجليزي المعاصر فإنه لا ينطقه ، أما الكتابة فلا زالت ترسم في العصور السحيقة من القدم مثل كلمة (Night) .
2ــ أن الكتابة قد ترمز للصوت برمز يختلف عن الرمز الأصلي لهذا الصوت مثل C التي تنطبق كافأ في (Camel) في حيـــن أن الرمز الأصــلي للكاف هو (k) كما في (Milk)         والـ (Ph) في (Elephant) التي تنطق فاء في حين أن الرمز الأساسي له هو F كما في Familly))، بل أن الكتابة قد تثبت الحرف و لكنه لا ينطق ، ونلاحظ ذلك في أل الشمسية مثل: الشمس ، وفي الألف التي تلي واو الجماعة في الأفعال مثل: كتبوا و سافروا وقد يحدث العكس وهو أن يميل النظام الكتابي إلى نطق فتحة طويلة ولكن الكتابة لا تثبتها مثل : هذا و هذه و طه وعبد الرحمن .
لهذا يعتمد عالم اللغة التاريخي على المادة الحية أيضاً أي على اللهجات المنطوقة و يقوم بجمعها جمعاً علمياً بمنهج خاص يعرف باسم الجغرافيا اللغوية ، ويقوم بجمع الصور النطقية المتنوعة على خرائط مكوناتها ما يعرف بلأطلس اللغوي لأن دراسة اللهجات تعتبر أداة توضح جوانب من التاريخ اللغوي القديم ، أي أنها وسيلة لفهم الماضي .
و الباحث في مجال علم اللغة التاريخي يعتمد على الأسس الآتية في تحليل المادة اللغوية الحية و المدونة .
1ــ مقارنة الظواهر اللغوية المرتبطة بتاريخ حدوثها أن أمكن ذلك ، وملاحظة تغيير هذه الظاهرة من فترة إلى فترة .
 2ــ عند افتقاد التحديد التاريخي يمكن مقارنة المادة اللغوية المتفرقة قديمها و حديثها واستنباط مظاهر التطور ومساراته خلالها بناءً على الاجتهاد القائم على أساس مجموعة من الاتجاهات العامة التي تتحكم في التطور اللغوي ، ومن هذه الاتجاهات مثلاً الاتجاه إلى التخفيف في بعض الصيغ ، بحيث ريمكن الاستنباط أن الصيغة الخفيفة أحدث من اللهجة التي تتداول الصيغة الكاملة مثل ركبت الفرس ، ونتيجة لهذا التخفيف قد تتحول الأفعال إلى أدوات مثل تحول الفعل نَعِمَ إلى نِعْمَ ، وكان الكاملة إلى كل ناقصة .(6)

المراجع :
(1ــ5) كتاب مدخل إلى علم اللغة .تأليف د/ إبراهيم خليل .ص120و121 .
(2 ــ4 ــ 6) كتاب دراسات في علم اللغة الوصفي و التاريخي و المقارن تأليف د/ صلاح الدين صالح حسنين ص33  و 34 203 و 204  .
(3) كتاب في علم اللغة العام .تأليف د / عبد العزيز أحمد علام . ص28 و 29 .